سورة القصص - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى استحياء قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} على استحياء في موضع الحال أي مستحية، وهذا دليل كمال إيمانها وشرف عنصرها لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها أم لا، فأتته مستحية قد استترت بكم درعها، و{ما} في {ما سقيت} مصدرية أي جزاء سقيك. روي أنهما ما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفّل قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا. فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي فتبعها موسى عليه السلام فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق {فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} أي قصته وأحواله مع فرعون، والقصص مصدر كالعلل سمي به المقصوص {قَالَ} له {لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين} إذ لا سلطان لفرعون بأرضنا، وفيه دليل جواز العمل بخبر الواحد ولو عبداً أو أنثى والمشي مع الأجنبية مع ذلك الاحتياط والتورع. وأما أخذ الأجر على البر والمعروف فقيل: إنه لا بأس به عند الحاجة كما كان لموسى عليه السلام، على أنه روي أنها لما قالت {ليجزيك} كره ذلك وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها لأن للقاصد حرمة. ولما وضع شعيب الطعام بين يديه امتنع فقال شعيب: ألست جائعاً؟ قال: بلى ولكن أخاف أن يكون عوضاً مما سقيت لهما وإنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا ولا نأخذ على المعروف ثمناً. فقال شعيب عليه السلام: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فأكل.


{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ياأبت استجره} اتخذه أجيراً لرعي الغنم. رُوي أن كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء، وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهي التي تزوجها {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استجرت القوى الأمين} فقال: وما علمك بقوته وأمانته؟ فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه. وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أن أمانته وقوته أمران متحققان. وقولها {إن خير من استأجرت القوي الأمين} كلام جامع لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك، وقيل: القوي في دينه الأمين في جوارحه. وقد استغنت بهذا لكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أفرس الناس ثلاث: بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله {عسى أَن يَنفَعَنَا} [يوسف: 21] {قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ} أزوجك {إِحْدَى ابنتى هَاتَيْنِ} قوله {هاتين} يدل على أنه كان له غيرها وهذه مواعدة منه ولم يكن ذلك عقد نكاح إذ لو كان عقداً لقال قد أنكحتك {على أَن تَأْجُرَنِى} تكون أجيراً لي من أجرته إذا كنت له أجيراً {ثَمَانِىَ حِجَجٍ} ظرف والحجة السنة وجمعها حجج والتزوج على رعي الغنم جائز بالإجماع لأنه من باب القيام بأمر الزوجية فلا مناقضة بخلاف التزوج على الخدمة {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً} أي عمل عشر حجج {فَمِنْ عِندِكَ} فذلك تفضل منك ليس بواجبة عليك، أو فإتمامه من عندك ولا أحتمه عليك ولكنك إن فعلته فهو منك تفضل وتبرع {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} بإلزام أتم الأجلين، وحقيقة قولهم: شققت عليه وشق عليه الأمر أن الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين تقول تارة أطيقه وطوراً لا أطيقه {سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصالحين} في حسن المعاملة والوفاء بالعهد، ويجوز أن يراد الصلاح على العموم ويدخل تحته حسن المعاملة. والمراد باشتراطه مشيئة الله فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته لأنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ذلك.


{قَالَ} موسى {ذلك} مبتدأ وهو إشارة إلى ما عاهده عليه شعيب والخبر {بَيْنِى وَبَيْنَكَ} يعني ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم بيننا جميعاً لا يخرج كلانا عنه، لا أنا فيما شرطت علي ولا أنت فيما شرطت على نفسك. ثم قال: {أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ} أي أي أجل قضيت من الأجلين يعني العشرة أو الثمانية. و{أي} نصب ب {قضيت} و(ما) زائدة ومؤكدة لإبهام {أي} وهي شرطية وجوابها {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ} أي لا يعتدى علي في طلب الزيادة عليه، قال المبرد: قد علم أنه لا عدوان عليه في أيهما ولكن جمعهما ليجعل الأقل كالأتم في الوفاء، وكما أن طلب الزيادة على الأتم عدوان فكذا طلب الزيادة على الأقل {والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} هو من وكل إليه الأمر، وعدي ب (على) لأنه استعمل في موضع الشاهد والرقيب.
رُوي أن شعيباً كانت عنده عصيّ الأنبياء عليهم السلام فقال لموسى بالليل: أدخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصي فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة، ولم يزل الأنبياء عليهم السلام يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب فمسها وكان مكفوفاً فضن بها فقال: خذ غيرهما فما وقع في يده إلا هي سبع مرات فعلم أن له شأناً. ولما أصبح قال له شعيب: إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنيناً أخشاه عليك وعلى الغنم، فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على كفها فمشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا التنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية، فلما أبصرها دامية والتنين مقتولاً ارتاح لذلك. ولما رجع إلى شعيب مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن فأخبره موسى ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأناً وقال له: إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل أدرع ودرعاء فأوحي إليه في المنام أن أضرب بعصاك مستقى الغنم ففعل ثم سقى فوضعت كلهن أدرع ودرعاء فوفى له بشرطه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8